كتابات شرفية

كلمة الدكتور منقذ إبن محمود السقّار لمدونة نقد التاناخ


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسل الله، وبعد

فقد امتن الله على طلاب العلم الداعين إليه بالحجة والبيان، فجعلهم سفراءه إلى الباحثين عن الحق والظامئين إليه، وجعل في كل خلف منهم عدول، يقيمون حجته على خلقه، يبذلون في تبيان الحقيقة أوقاتهم ، ويفنون في إبلاغها أعمارهم، لا يرجون من الناس مدحة ولا شكوراً ﴿إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً﴾.

ولقد برع المسلمون في كل عصر في الحوار الديني، وبرعوا في فنونه بما أودعه الله فيهم من ملكات حب الحقيقة والصبر في تحصيله ، والبذل في سبيل نشره حسبة لله وتقرباً إليه، حرصاً على هداية البشر وخلوصهم من النار، فأوقدوا من أعمارهم وأوقاتهم شموع الحق وقناديل الهدى التي تنير درب السائرين في رحلة البحث عن الحقيقة.

وإذا استبان لنا هذا أدركنا سر الإبداع الذي ترك الأفذاذ بصماته في جبين العلم ، ففهمنا الكثير عن المنهج الذي خطوه من لدن ابن ربن الطبري في كتابه “الدين والدولة  في إثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم” (ت 240هـ)، مروراً بكتابات رواد الحوار الديني كابن حزم في “الفصل” (ت 450 هـ) وابن تيمية في “الجواب الصحيح” (ت 728هـ).

ولا يليق بكاتب السطور تجاوز رائد علم مقارنة الأديان في العصر الحديث ؛ العلامة رحمة الله الهندي صاحب المناظرة الشهيرة مع المنصر بافندر، والذي ترك بصماته الرائعة في هذا العلم بكتابه العظيم “إظهار الحق” الذي غدا مرجعاً لا غناء عنه عند دارسي الكتاب المقدس، فقد أثرى رحمه الله كتب من جاء بعده كالدكتور أحمد حجازي السقا والشيخ أحمد ديدات واللواء أحمد عبد الوهاب رحمة الله عليهم أجمعين.

ويلاحظ القارئ وهو يمتع ناظريه في تأمل هذه الجنان البديعة أنها تركزت حول نقد متن الكتاب المقدس وإبراز ما فيه من تناقضات وأغلاط وأعاجيب تجعل الحليم حيران، وأستأذن القارئ الكريم بنحت مصطلح جديد لما تركزت حوله دراسات المسلمين النقدية للكتاب المقدس، وهو “النقد الأوسط”، تمييزاً لها عن مدرستين نقديتين تفجرتا في وجه الكتاب المقدس خلال العقود الأخيرة، وهما مدرسة النقد الأعلى الذي يهتم بربط النص ببيئته؛ سعياً لتحديد شخصية مؤلفه، وزمان التأليف ومكانه وأشباهه، ومدرسة النقد الأدنى (النصي) الذي يتعقب مخطوطات الكتاب ، ويقارن بين الأصول؛ محاولاً الوصول إلى النص الأصلي الذي دونه كاتب السفر.

وإذ أوجه الدعوة لإخواني طلاب العلم لخوض غمار هذين العلمين (النقد الأعلى والنقد الأدنى) ؛ فإني أشدد على أهمية الإلمام باللغات القديمة (العبرية –الآرامية -اليونانية)، مع استصحاب العزم لدراسة المخطوطات الكتابية والوقوف على تواريخها وفروقها، كما أُكبر جهد أخي النبيه الذي له من اسمه كبير النصيب؛ الأستاذ نبيه الصباغ في تعلم هذين  العلمين، وأشكر همته العالية في تتبع كتب العلماء، وأدعوه وأقرانه إلى الخطو إلى الإمام ، ليبدؤوا من حيث انتهى علماء النقد الغربيين، أسأل الله أن يبارك جهودهم، وأن يشكر سعيهم، وأن لا يحرمني الأجر معهم. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

د. منقذ بن محمود السقار

Categories: Uncategorized, كتابات شرفية | أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم.